vendredi 2 décembre 2011



عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المؤمن القوي خير، وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. وفي كلٍّ خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تَعْجَز .. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا، كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله، وما شاء فعل، فإن لَوْ تفتح عمل الشيطان" رواه مسلم.



تصوروا ؟! هذا النص عمره أكثر من الف عام ! وتصوروا ؟! طوال هذه الألف كان يساهم في تشكيل ثقافة الأمة ! وحتى نتصور الموضوع بشكل أوضح ، هذا النص منسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ! يعني أنه من جملة الأحاديث ! يعني أنه بالنسبة للكثيرين دين ! وأنتم تعرفون ماذا يعني كونه ديناً من حيث الأثر الذي يتركه ؟
نعم الحديثُ ضعيفٌ ، فقد رواه البزارُ بسند ضعيف ، وله شاهدٌ عند البيهقي في شُعب الإيمان ، قال عنه : منكر . فالحديث لا يُحتجُّ به ، وهو ليس حجةً على الدين بطبيعة الحال ، ولا يُمثل الثقافة لإسلامية والحمد لله . لكن الأمر ـ وللأسف ـ لا ينتهي هنا . ولا ينبغي أن يتم التعامل معه إلى هنا .
فمثل هذه النصوص، والتي تـتعلق ببناء التصورات على جميع المستويات، ليست كأحاديث الأحكام ـ مثلاً ـ ينتهي التعامل معها بمجرد تضعيفها ، دون أن تترك أثراً فكرياً ونفسياً ينعكس على سلوك واختيارات الإنسان . هذا النمط من الأحاديث ساهم في تـشكيل العقل الجمعي للأمة ، وكان لها أكبرُ وأخطر ألآثار على حياتها .
ومن يرجع إلى كتب العلم يجد الحضورَ الكبير لمثل هذه النصوص فيها ! ويجد أنَّ عدداً لا بأس به من العلماء يتبنى مضامين هذه النصوص ، أو يحاول تأويلها تأويلاً ـ ولو بعيداً ـ يحلُّ به ما تـشتمل عليه من إشكاليات ، أو يفسرونها تفسيراً يزيد من مُشكلها ، ويساهم في تركـيز معنى آخر مرفوض .وفي هذا الحديث هناك من قال : البُله : هم المغفلون . وهناك من حاول أن يؤول فقال : هم الذين غلبت عليهم سلامةُ الصدور ، وحسنُ الظنِّ بالناس ، وقد ورد في المعاجم أن سلامة الصدر من معاني البله ، لكنَّ المعنى المشهور هو الغفلة ، وليس من عادة الفصاحة النبوية التعبير الموهم في مثل هذا السياق . وقال آخرون : هم من أغفلوا أمر دنياهم ، فجهلوا حِـذْقَ التصرف فيها وأقبلوا على آخرتهم فشغلوا أنفسهم بها ، فاستحقوا أن يكونوا أكثر أهل الجنة .
وهذا تفسير للمشكلة بمشكلة أخرى أشد وأخزى ! فهذا التفسير يقول لنا معاشر المسلمين : كي تكونوا من أهل الجنة المحترمين ضعوا الدنيا خلف ظهوركم ، ولا تعرفوا عنها شيئاً ، فجهلها باب واسع من أبواب الجنة ! واقبلوا على آخرتـكم ، وناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النّـُوَّمُ !! وكان يكفي كلَّ هؤلاء أنْ يعرفوا درجة الحديث ، ويُنظفوا الشريعة من مثل هذا الهراء !
إنَّ الحكم على هذا النص بالضعف لا يحل المشكلة ببعدها الثقافي ، هو فقط ينفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قول مثل هذا الكلام ، ويُبرؤ الشريعة من الأباطيل . لكن هناك قضية على غاية من الخطورة تحتاج لإثارة ، ووضع على طاولة البحث ، وهي أنَّ هذا النص إنتاج عـقل بليد ، وثقافة تحترم الغباوة ، وتجعلها ديناً ، وفكر مُشوَّهٍ منحرف عن حقائق هذا الدين . ففي حين تقول لك النصوصُ قطعيةُ الصحة ، قطعيةُ الدلالة : إنَّ أكثر أهل الجنة العاملون الفاعلون .
وتقول : إنَّ الذين يستحقون جنَّة ربهم هم أولوا الألباب ، أي أهل العقول ، وليس العجول ! يقول لك هذا النص : بل إنَّ أهل الجنة هم المغفلون الأغبياء . إنه تحميل للدين وزرَ البلادة والغباوة . ثم يأتي من يسأل : ماذا أصاب المسلمين ؟! ولماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم ؟! ترى في أيِّ نقطةِ وعيٍ كان يقـف العقلُ الذي أنـتج مثل هذا النص ؟ وكيف كان وضع المجتمع الذي تحركت وتفاعلت معه وفيه مثل هذه النصوص ؟ وكي نتوثـق من مدى انـتـشار هذا الحديث ، رجعتُ إلى كتاب العجلوني " كشف الخفاء ، ومُزيل الالباس عمَّا اشتُهر من الأحاديث على ألسنة الناس " ، فوجدته مذكوراً ، ممَّا يعني أنَّ هذا
الحديث ، مُـشتهر بين الناس ، مُـنتـشر على ألسنتهم ، والنتيجة أنه سـاهم في تـشكيل مفاهيمهم ، وبيَّـن لهم مكانة الفهم والعقل في حياتهم . وبهذا يتبين عدم أهمية كون الحديث ضعيفاً ، بل ينظر إليه على أنه وليد نمط معرفي ، وأنه بعد ذلك مؤثر في النسق الفكري والسلوكي للمجتمع . وقد يقول قائل معترضاً : نحن لم نسمع أحداً يثني على الغباء ، ويرفع من قيمة البلادة ! وأقول : إنَّ الإنسان في كثير من الأحيان لا يُعبر عن منظومته القيمية بطريقة مباشرة ، بل إنه يتلقاها ، فتستقر في شغاف قلبه ، وتـتمركز في لا وعيه .
وقد تـتعجبون إذا قلتُ لكم إنه قد يهاجمها في أحاديثه ، ومحاضراته ، وكتاباته ، ثم عـند المنعطفات والتقاطعات ـ وهي المواقف التي تكشف حقيقة ثقافة الفرد والمجتمع ـ تطفو هذه المفاهيم على سطح الوعي ، وتُبنى الآراء والقرارات عليها ! مما يدل على أنَّ كلامنا المحكي أو المكتوب مجرد دهان خفيف ، يخفي أفكارنا الميتة والقاتلة المتمركزة في طباعنا . ولا تظنوا أنني أتحدث عن الإسلاميين وحسب ، لكنني أتحدث عن حالة الأمة بمجموعها ، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين وما بينهما . هل تظنوا أن الشيوعيين العرب كانوا ـ بمجملهم ـ شيوعيين حقيقيين ؟ أم كانوا على حدِّ تعبير أحدهم : " شيوعي فِجْـلة " ! ومن هنا فلا أحد يتوقع أن تُـكتب قصيدة في مدح الغباء ، فالقصائد لدينا تـُكتب في مدح الذكاء ، وفي نفس الوقت نخنق أي حالة ذكاء تحاول الظهور ! والذي يرى حالة أو حالتين نجت باعجوبة من الخنق ، أرجوه ألا يتهمني بالمبالغة ، أو بالتـشاؤم ، لأنني أتحدث عن ظاهرة عامة ، والشأن في الظواهر ألا ترد بالاستثناءات ، التي يقول عنها المناطقة : يُؤخذ بها ولا يُقاس عليها .
أتحدث عن صناعة ننفرد بها ، هي صناعة البلاهة ، وتمجيد الغباء ! وهي ليست صناعة قديمة ، بل إنها صـناعة متجددة ، نضيف إليها كل حديث . وفي رأيي ـ ولعلي أبالغ هنا ـ أنَّ كتاب ابن الجوزي رحمه الله " أخبار الحمقى والمغفلين " لم يعد كتاباً في وصف طبقة من المجتمع ، نقرأه للتسلي بعد يوم مجهد ، وجدية تطلب الترويح ، بل من حقه أن يكون " منـفـستو الأمة " ! إنه دليلنا ونحن فيه موجودون ، وهو الرمز الدولي لنا ، فلا يُـتصل بنا إلا من خلاله !!
وأذكركم بما قاله أحد كبار العلماء قبل سنوات ، حتى لا تقولوا إن هذا الذي وصفت ثقافة انتهت ، خاصة بعد حركة إحياء علوم الحديث . ,انا أؤكد بدوري بأن هذا العالم يعرف أن هذا الحديث ضعيف ن ولكنه قال مع ذلك ، ولا زلنا نسمع من يعيد كلامه ويتبناه :
" الحمد لله الذي سخر لنا الكفار كي يخترعوا ، ونحن نتفـرغ لعبادة الله " .
اللهم أدم علينا نعمة البله

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire